فِي خزانتي ثَوْبُ روايةٍ مُهترئة، وبِضعةُ قَصائِد في طابور النَّظمِ، وقصصٌ يَسِيرُ أَبطالُها بَاحِثين عن منامةٍ لتدفئة اللَّيل..
أفتحُ الخزانة أَبحثُ عن شيء -يصلُح لارتدائه- فلَا أجد؛ أخشى تقريعَ أمّي لو أخبرتها، فأدَّعي حبَّ العُزلة ولَا أخرج من خزانتي قط!
أعتكفُ فيها على تفصيل أحلَامٍ جَدِيدة، أُفصّل الكثيرَ من الْأَحلَامِ غير المُنتهية ثُمَّ أكوّمُها في عجالةٍ قبلَ أن أَغفو عَلى خدّ الظلام المصفُوع بالهَجر؛ وحينَ أصحو أصبّ كاملَ عزمي في ترتيق عباءة الصَّبر، وأكتب بخطِّ الْأَدب "الفتياتُ كلُّهنّ يلبسن الْأَقمِشَة، ووحدي أرتدي الورق!"
"الكِتابَـةُ حِجَابِي الفضفاض، وكلّ اللَّائي يبحن بلَا قلم مُتبرّجات" هكذا أخبرُ أُمّي لِأضحكَها -بإمكاني أن أجعلَني مزحة لِأَرى ضحكاتها؛ لكن نُصوصي كلها كابن عاق تُبكي أمي ولو أضحكت العالم..
أخبرتني السماءُ ذاتَ مطر أنّها أسقطت نجمتَها هُنا، وظلّت تبكيها كُلَّ عام حتى انطفأت؛ كتبت حكايتها ثم لم يصدقها أحد، فمزقتها وفي الصباح وجدتُ شَرخًا عمِيقا في صلب خزانتي، كذا هطلت عيناي بغزارة ولم يجف منديلي حتى الْآن.
رغم الندبة في كفِّي إِلَّا أنّ للأصابع التي تمسك بالقلم نكهة بإمكانك تذوقها لَا ابتلَاعها وهذا بمثابة عزاء لنا معشر المحزونين.
كيف يكتب الْآَخرون يا ترى؟
هل لدَيهم خزائن يحبسون أنفاسَهم فيها ويشهقون الحُزنَ طيلة اللَّيل؟ هل يخافون أن تتعرى أجسادهم من الورق يوما فتتبدى عوراتهم للخلق؟ هل يصنعون من السطور دُروعا، ومن الكلمات حصونا؟
هل يبارزون بالقلم، ويمتطون اللُّغة؟ هل يسمعون ثرثرة السماء في فصولها الأربع، في أقمارها وكواكبها وأجرامها والبكاءات الخافتة وشيب البرق الذي يزحف على رأسها مهددا؟
وهل بإمكانهم الولوجَ إلى خزائن أُخرى لَا تحوي رحيقَ كفاحهم؟
وكيف يُرتّبون هزائمَهم؟
وكم تبلغ في أفلاكهم سنواتُ الخيبة؟ وكيف يحتملون الخسائر؟؛ هل يحملونها على ظهورهم حتى تتحدب، أم يتكئون بها إلى القلم فيقصفوه، أم تراهم يمتزجون بها حتى تجري فيهم مجرى الدم؟
هل بإمكانهم احتمال الحياة بلَا كتابة، هل باستطاعتهم الكتابة أثناءَ الموت؟
سأسألُ خزانتي اللَيلة، وأعلق غُلَافا جديدا على حَائِط غرفتي أُعَنوِنُ فيه روايتي، وأنظم القصائد كما ينبغي لها، وأدفيء اللَّيل ليرتاح أبطالُ قصصي من عناء السّير.
0 comments:
Enregistrer un commentaire