المُبدعة هاجر شعبان تكتب
لم أكن أراقبك، هي فقط تفاصيل بسيطة أعلمها، إحدى عشرة نافذة، كنتِ تسكنين النافذة الثانية العلوية على اليمين، نافذة تشبهك بما تحويه من ياسمين وريحان، لكِ من بياض الياسمين الكثير، وأخذ منكِ الريحان رائحته، فلم يكن صدفة أن تمتلكي نافذة تشبهك، تظل النافذة مفتوحة ليل نهار، تفضلين الأبيض لستائرك دائما، بيضاء ذات نقوش أشبه بالورد الحي، يخرج صوت فيروز منها وقت الظهيرة دائما، لا أعلم ما الصلة التي تجعل عينيكِ تلمعان في شجنها هكذا، رباه كم ترك فيكي صوت فيروز الجبلي كل تلك الندوب الغير قابلة للإلتئام!
مع كوب الشاي تقضين وقتك حتى تمام السادسة، تراقبين المارة كل يوم، بلسان يدندن وراء فيروز، وعينين ضائعتين لا تجد ملاذها في أي شيء ولا أي أحد، كل يوم على هذا الحال، إلى أن يحين المساء، وقتي المفضل دائما، تتركين النافذة لستين دقيقة كاملة، لتطلي من جديد وشعرك منسدل على كتفك يغطي نحرك العاري دائما، بضحكة نادرة تأتي كلما حدث شيء أخرق ليسلبها منكِ سلبا وينزع وراءها قلبي نزعا، يغريني تيه بؤبؤ عينيكِ وأنتِ تراقبين أطفال الحارة وهم يلعبون بالطابة، تنغمس تعابير وجهك في لوحة زيتية لفنان مجنون، يصعب عليّ أن أتكهن بمَ تفكرين؟ يعييني كيف أني بعيد كل هذا البعد عن فهمك، من صيف لشتاء جمعوا في جعبتهم فصول خريف عديدة تهاوى منها رباع عدة مكثت أنتظر أن أستوعب نوتاتك الموسيقية التي لا تنجب لحنا أبدا، أطلب من الله دائما أن يجمعنا ذات مساء، أن يمنحني خارطة جديدة، خارطة بشجن فيروز تحمل مسميات لمدن لم تطأها أقدامنا بعد، خارطة بلا تاريخ نكون نحن مهدها، أن يمنحني خارطة بلونك الياسميني لأمنحك مدنا بشعوبها، مدن تتوجه جميعا إلى قبلتكِ وشعوب تحمل جميعا اسمك، مدن بلا عملات منقوش عليها وجههك، أي كيف لي أن أتحمل تحسس الأنامل لصورتك؟! امنحيني خارطة كيف أهرب مني إليكِ؟! كيف ألوذ بكِ مني؟!
لم أكن أراقبك، كنتُ فقط في حضرتك، أسطر كل يوم خطابات لا تستلمينها، أتلو كل يوم نذور عهد لا تطلبين مني الوفاء به، لم أكن اراقبك، كنتُ فقط أسير نافذتك، أتطلع لليوم الذي أنظر منها لا إليها، لليوم الذي أشاركك فيه كوب الشاي وننغمس في الحديث وصوت فيروز خلفية موسيقية للقائنا، من بين إحدى عشرة نافذة، لم أتعلق سوى بتلك صاحبة الياسمين، كانت أشياءً بسيطة عشتها معكِ، فلم أكن أراقبك.
0 comments:
Enregistrer un commentaire