بقلم المبدعة :دنيا الرحاوي
لا نهاية كما لا إكتمال! كانت ليلة طويلة، بطول سارق الأحلام في ذلك الشريط التليفزيوني، أو أكثر منه بكثير، لم تنتهي، أترقب شقيقاتها القادمات، واللواتي يبعثن بصداهن منذ اختلاقي لكذبة الخير القادم، تستعرض ليلتي طولها بتفاخر، وكأنها عثرت على الفريسة المناسبة، والتي تاهت عنها .. هنالك أرق جلي يداهمني، وإثره لن أكون متزنة البتة، يصحب معه وجعا متقد، وبردا يفتت أطرافي، كل الأغطية لا تفي بالغرض، هذا الوجع يسكره الدفء، دفء أستجديه الحضور، ليغشى عليه ساكنا! في حالتي تلك، كان لا بد من هلوسات معتادة، والتي تبدو حقيقية، تعبرني أحداث، تلو الأحداث، لا يستمر أي حدث، حتى لو تدخلت فيه، فلست مرئية. رأيتك في تلك القاعة الفسيحة، والكثيرة النوافذ، تجلسين في مقعد ما قبل الصف الأخير، منكبة بكامل تركيزك على تلك الورقة البيضاء، تغلقين عينيك تارة، وتفتحينهما تارة أخرى، وكأنك بذلك تستعيدين ما خزن في تلك الزاوية من عقلك، أراقبك عن بعد، انقضت ساعة كاملة، لترفعي رأسك مبتسمة، والشك يعتلي ملامحك، وتقفزي من مكانك عابرة الممر، تضعين ورقتك البيضاء تحت دزينة أخرى تشبهها، ثم تغادرين القاعة، في ما بعد، أرى نفسي أهاتف أحدهم، أخبره بأن الرواية التي انتظرتها لتصل قد صارت واقعا، وأنني في معرض الكتاب، أقف قرب الكاتب، ذلك الشاب الصغير، الذي يوقع كل نسخة بعدم تصديق، وبصدمة، حتى أنه حين استقر في كرسيه، أمسك إحداها وحاول التحقق من صلابتها، وكونها حية، بين كفيه، برائحة ورقها الناضج بالحياة، وبغلافها البارد الملمس، هو لا يصدق وصوله لهنا، كما لا أصدق أنا أنني أحظى بهذه التفاصيل، وبما أني غير مرئية، فلا أحد يلحظ إلتقافي لإحدى النسخ وجلوسي في أسفل المكتب وانغماسي في تصفحها.. ينقلب الأمر، أرى نفسي على الرصيف، حادث آخر، ضحية ملائكية، جسد صغير أخشى حمله بين يداي، أنتفض إثر الهشاشة التي أعانيها، نفس ضعيف يتعالى من خلفي، رجل يقاوم، وإمرأة تنازع، الشبه مباح، أنتما نفسيكما، هنا مرة أخرى، بعد أن كنتما هناك، لا تزالين حية، ولا يزال حيا، آه الملائكي لن يموت، أحمله، أركض، فيختفي.. لأجدني من جديد في منزل، أتحسس جدرانه، شخص أعرفه ينام بالداخل، غارق في أحلامه، أجل! إنه من اتصلت به، لا نجد أحيانا عائقا لنشارك ما نحب، مع من نحب، لكن قد يكون لما نشاركه عائق غير واضح، لم أفهم لما أنا هنا، إذ لم أزر المكان قبلا، إلى أني تصورت حلته، طرازه، كل جزء به، في الداخل، أكثر من قلب ينبض، أكثر من روح تجوب الفضاء، في الداخل عالم ثاني، في الداخل لم أكن أنا! حينها أرتفع، تفتح ثغرة واسعة في السقف، لتجذبني إليها، جدي يجلس في الأعلى، يا إلهي إنه هو! لا يراني، يجلس على السقف، يحرس الأعالي، يستقر في حضنه كتاب، كتاب ضخم، كأنه مجلد، يفتحه، لعله يدرك أنني هناك، آووبس! أهو ألبوم صور، بل هو كل شيء، ستطلبه، أراني، صور مصغرة، للطفولة، للشباب، للكهولة، صور لم أتمنى رؤيتها، أحداث لم يرها أحد قبلا، رأيت حياتي، في الصور لا أشبهني، صور فردية، بعضها مقصوص الأطراف، بالأبيض والأسود، إلا صورة واحدة، صورتي في مقهى، تبدو حديثة، أتذكرها، وحدها الملونة، أحبني بها، أسأله، لا يسمعني، لا يلتفت أبدا، يعيد قلب الكتاب، أرى مخطوطات، كتابات، رسائل، عقود، وثائق، بإسمي، اسمي يصرخ. وأعود لك، كأنك لم تكوني في تلك الحادثة، تسيرين في بهو الحديقة، تجالسين مجموعة من الرفاق، رأيت وجوههم سابقا، في بعض من صورك على موقع الآنستغرام، تبتسمين، لكنه متوترة، ابتسامتك الرقيقة، حزينة، هنالك اعوجاج في استقامة قلبك، أنت لا تؤمنين بالخير القادم، كما أفعل تماما، أركز أكثر، أقترب منكم، تضعين سماعات أذن، تدندنين شيئا، كان: " قولي مين في حزني يقولي مالك قولي مين .. الحقيقه إن الحياة ضحكت علينا " أضحك، وأضحك، ثم أضحك، حماقي يا فتاة! _ أتصدقين أن الحياة تضحك علينا منذ الصرخة الأولى؟ أنا أصدق، لا أحد أخبرك بأننا نختار، كإرضاء لأنفسنا، بينما الحقيقة، أننا لا نفعل، لسنا مخيرين، نحن نطبق بالتفصيل ما كتب في كتاب ما، نحن .. رأيت أشخاص كثر، إنها لحياة مميزة تلك التي تجعلك ترين العالم بدون أن يراك، ظننت لسنين ماضية بأنني غير مرئية، والواقع أن ذلك يحصل في تلك البقعة من الغرفة، ويتكرر، يلج أي كان الغرفة، ويتجول بها، من دون أن يلحظ وجودي، ثم فجأة يصرخ، ويقول: * بحق الله، منذ متى وأنت هنا! ذلك لا يكون سؤالا، بقدر ما يكون تعجبا. فلتضعي في حسابك، أننا نمر بليالي سوداء طويلة أحلك من هذه التي مررت بها، يدعونها بالليالي البيضاء، بينما هي العكس، أخبرتك بنصف ما رأيت، وتجاوزت ما رأيت حقا ولم أرغب بتشويش دماغي به، والعبارة الوحيدة المحشورة في حلقي، والتي تخنقني، هي: | لحد الآن! | لحد الآن لم يرى أحد من نكون، ولا ما سنكونه، لحد الآن.
0 comments:
Enregistrer un commentaire